الفتاوىفتاوى الأسرةفتاوى اللباس والزينة

حكم لبس الباروكة

السؤال:

ما حكم لبس الباروكة.

الجواب:

الباروكة أو ما يعرف أيضا بالشعر المستعار هو شعر حقيقي أو صناعي يوضع فوق رأس الإنسان رجلا كان أو امرأة فيظهر كأنه شعره، وقد يصنع من شعر الإنسان أو الحيوان أو غيره من المواد كالبلاستيك أو غيره من المواد الطبيعية أو الصناعية.

فحكم الباروكة على حالات:

  • إن كان مصنوعا من مادة طاهرة سواء من شعر حيوان طاهر أو البلاستيك أو غيرها من المواد الطبيعية أو الصناعية الطاهرة فيحل لبسه ولا يحرم بشرط أن لا يكون في لبسه تدليس، فلو كان ثمة عيب في شعر المرأة وتقدم لها الخطاب فعليها تنبيههم إلى حال شعرها، ويحرم عليها التدليس عليهم بالباروكة، أما المتزوجة بإذن زوجها أو رغبته فلا يحرم، وكذا غير المتزوجة إن لم يكن في لبسها لها تدليس.
  • إن كان مصنوعا من مادة نجسة أو من حيوان نجس كالكلب أو الخنزير – مثلا- حرم لبسه، لا لكونه باروكة وإنما لنجاسته، إلا إن كان جافا ولا ينجس ثيابها ولا جسدها فلا يحرم حينئذ؛ للضابط الفقهي المتقرر (جاف على جاف طاهر بلا خلاف).
  • إن كانت الباروكة مصنوعة من شعر الآدمي حرم لبسها؛ لحرمة الانتفاع بجسد الانسان في غير حاجة، ولا حاجة للباروكة، ولحرمة بيع أي جزء من جسد الإنسان تكريما له، وكيلا يصبح جسده سلعة تباع وتشترى بما يتضمنه من امتهان للإنسان وكرامته واحترامه، فيحرم الانتفاع بشعر الآدمي عند جماهير أهل العلم كالحنفية قال الزيلعي: ” لا يجوز بيع شعر الإنسان والانتفاع به؛ لأن الآدمي مكرم فلا يجوز أن يكون جزؤه مهانا”، والشافعية، قال النووي: ” “يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه”، والحنابلة، قال الحجاوي: ” لا يجوز استعمال شعر الآدمي لحرمته”.

ويمكن تخريج جواز لبس الباروكة المصنوعة من غير شعر الآدمي على المذاهب الأربعة من الحنفية المالكية والشافعية والحنابلة:

أولا: تخريجها على المذهب الحنفي: لا يحرم وصل شعر المرأة بشعر غير آدمي عند الحنفية، فعلى هذا لا تحرم الباروكة المصنوعة من غير شعر الآدمي عندهم، قال الكاساني: ” يكره للمرأة أن تصل شعر غيرها من بني آدم بشعرها لقوله r «لعن الله الواصلة والمستوصلة» ولأن الآدمي بجميع أجزائه مكرم والانتفاع بالجزء المنفصل منه إهانة له ولهذا كره بيعه، ولا بأس بذلك من شعر البهيمة وصوفها لأنه انتفاع بطريق التزين بما يحتمل ذلك ولهذا احتمل الاستعمال في سائر وجوه الانتفاع فكذا في التزين، وقال المرغيناني: ” وإنما يرخص فيما يتخذ من الوبر فيزيد في قرون النساء وذوائبهن”.

ثانيا: تخريجها على المذهب المالكي: لم يعتبر المالكية الوضع على الرأس وصلا محرما أصلاً، قال النفراوي: ” ومفهوم ” وصل ” أنها لو لم تصله بأن وضعته على رأسها من غير وصل لجاز كما نص عليه القاضي عياض، لأنه حينئذ بمنزلة الخيوط الملوية كالعقوص الصوف والحرير تفعله المرأة للزينة فلا حرج عليها في فعله فلم يدخل في النهي ويلتحق بأنواع الزينة”.

ثالثا: تخريجها على المذهب الشافعي: يحرم الوصل بشعر الآدمي للمتزوجة وغير المتزوجة، كما يحرم الوصل بشعر نجس مطلقا، أما الوصل بشعر طاهر غير شعر الآدمي فيحرم في حق غير المتزوجة ويباح في حق المتزوجة، وفي وجه لا يحرم في حقهما، فعلى هذا لا تحرم الباروكة المصنوعة من غير شعر الآدمي للمتزوجة تخريجا على المعتمد عند الشافعية وفي وجه مرجوح عند غير المتزوجة.

وقد حقق النووي المذهب بقوله: ” وأما الشعر الطاهر من غير الآدمي فإن لم يكن لها زوج ولا سيد فهو حرام أيضا على المذهب الصحيح وبه قطع الدارمي والقاضي أبو الطيب والبغوي والجمهور وفيه وجه أنه مكروه قاله الشيخ أبو حامد وحكاه الشاشي ورجحه وحكاه غيره وجزم به المحاملي وهو شاذ ضعيف ويبطله عموم الحديث وإن كان لها زوج أو سيد فثلاثة أوجه حكاها الدارمي وآخرون أصحها عند الخراسانيين وبه قطع جماعة منهم إن وصلت بإذنه جاز والا حَرُم، والثاني: يحرم مطلقاُ والثالث لا يحرم ولا يكره مطلقاُ وقطع الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وصاحب الحاوي والمحاملي وجمهور العراقيين بأنه يجوز بإذن الزوج والسيد قال صاحب الشامل قال أصحابنا إن كان لها زوج أو سيد جاز لها ذلك وإن لم يكن زوج ولا سيد كره فهذه طريقة العراقيين والصحيح ما صححه الخراسانيون، وقول من قال بالتحريم مطلقاُ أقوى لظاهر إطلاق الأحاديث الصحيحة”، وقد ذكر الوجوه دون ترجيح العمراني في البيان بأسلوب جميل.

رابعا: تخريجها على المذهب الحنبلي: يكره وصل الشعر أصلاً عند الحنابلة ولا يحرم، قال ابن مفلح: ” ويكره لها وصل شعرها بشعر آخر ذكره في المستوعب، والتلخيص وقدمه في الرعاية، وعنه يحرم قطع به في الشرح وقدمه ابن تميم. ولا بأس بالقرامل ونحوها زاد بعضهم لكن تركه أفضل، وعنه هي كالوصل بالشعر قال المروذي: سألت أبا عبد الله عن المرأة تصل رأسها بقرامل فكرهه، وقال له أيضا: فالمرأة الكبيرة تصل رأسها بقرامل؟ فلم يرخص لها، ويباح ما تشد به شعرها للحاجة”.

ولا يصح اعتراض البعض على لبس الباروكة أن: فيه تشبها بالكافرات فيحرم؛ واستدلالهم على ذلك بأن لبسها والتزين بها بدأ واشتهر به الكافرات حتى صار من سيمتهنّ، كما أنه من باب الوصل المحرّم المنهيّ عنه شرعاً، فلا يصح هذا الاستدلال؛ لأن ليس كل فعل للكافرات محرم، بل المحرم ما كان شعارا دينيا أو كان علامة على الكفر، ويكره إذا اختص بالكفار، أما الباروكة فقد أصبحت عادة عالمية اليوم لا تختص بدين أو ثقافة أو عرق أو أمة من الأمم فلم يعد في لبسها تشبه بالكافرات.

أما الوصل فلا علاقة له بالباروكة، وقد جاء تحريم الوصل عن علقمة، قال: «لعن عبد الله، الواشمات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله» فقالت أم يعقوب: ما هذا؟ قال عبد الله: «وما لي لا ألعن من لعن رسول الله، وفي كتاب الله؟» قالت: والله لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدته، قال: ” والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) [الحشر: 7] “.

فمعنى الوصل ضم جزء إلى جزء ولصقه به بحيث يصبح امتدادا له كأنه هو، فالوصل في اللغة له أصل معنى واحد مطرد منقاس ” يدل على ضم شيء إلى شيء حتى يعلقه… والواصلة في الحديث: التي تصل شعرها بشعر آخر زورا”، والباروكة توضع على الرأس ولا توصل به، فلا ينطبق حديث الوصل على الباروكة مطلقا؛ لأن معنى الوصل غير موجود فيها.

وأنبه على أنه يحل على للمرأة لبس الباروكة أمام غيرها من النساء أو محارمها أو زوجها، أما غير المحارم من الرجال فيحرم لبسها أمامهم؛ للفتنة؛ لأن فتنة الباروكة لا تقل عن فتنة الشعر الحقيقي كونها على صورته وشكله، فمنظرها مغر كالشعر الحقيقي تماما، بل قد تكون الباروكة أشد فتنة من الشعر الحقيقي لتفنن صناعها في ألوانها وبريقها ونعومتها، وأحيانا رائحتها، فحكمة النظر إلى العورة منطبق عليها، فتكون عورة لغيرها، والعورة لغيرها كل جزء من المرأة أدى إظهاره إلى حدوث فتنة.

فالنظر إلى وجه المرأة دون حاجة مكروه عند جمهور علماء الأمة، فإن كان النظر تلذذا ولإثارة الشهوة حرم، وصوت المرأة ليس بعورة، فإن أدى صوتها إلى فتنة كأن كان فيه خلاعة وميوعة وتكسر وتغنج حرم عليها ويحرم استماعه لمن يؤثر فيه فيدفعه للحرام؛ لقوله تعالى (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) [الأحزاب: 32] فالمحرم ليس عين الكلام وإنما هيئته من الخضوع أو الكلام مع صاحب القلب المريض، ومثله الباروكة يحرم لبسها أمام غير المحارم والنساء.

ولا يقال أن لبس الباروكة فيه تغيير لخلق الله تعالى؛ لأن الباروكة توضع فوق الرأس ولا تغير في خلق الإنسان شيئا، والتغيير بنص حديث النبي r السابق متعلق بالوصل، أما الوضع على الرأس فليس وصلا وليس فيه أي تغيير لخلق الله تعالى، فخلق الله بقي كما هو ووضعت فوق رأسها دون تغيير خلقته هذه الباروكة.

الخلاصة يحل لبس الباروكة بشروط:

  • أن تكون مصنوعة من غير شعر الآدمي.
  • أن تكون مصنوعة من مادة طاهرة.
  • أن لا يكون في لبسها تدليس وغش للخُطَّاب.
  • أن لا تلبسها المرأة أمام غير النساء والمحارم من الأجانب.

مصدر الفتوى من كتاب:

فتاوى معاصرة (2)، ايمن عبد الحميد البدارين، دار النور المبين للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2017م، صفحة (243-248 )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي من النسخ